فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومناسبتها للأعراف انه لما ذكر تعالى- كما تقدم- قصص الأنبياء عليهم السلام مع أممهم في تلك، ناسب أن يذكر قصة هذا النبي الكريم صلى عليه وسلم مع قومه، وتقدم أنه لما أطنب سبحانه في قصة موسى عليه السلام كان ذلك ربما أوهم تفضيله على الجميع، فأتى بقصة المخاطب بهذا القرآن في سورتين كاملتين، الأنفال في أول أمره وأثانه، وبراءة في ختام أمره وانتهائه، وفرق بين القصتين، وذلك أن قوم مةوسى عليه السلام كانوا في سوء العذاب، وكانوا يعلمون عن اسلافهم أن الله سيذكرهم وينجيهم من أيدي القبط، فلما أتاهم موسى عليه السلام وبين لهم الآيات التي أمره الله بها لم يشكوا في انه الموعود به من رحمة الله لهم، وإتيانه نفع لهم عاجل مع ما فيه من النفع الآجل، فأطبقوا على أتباعه، وكانوا أكثر من ستمائة الف مقاتل، ومع ذلك فقد كانوا يخالفون عليه في كل قليل، ولا يجدون قلوبًا يواجهون بها القبط في الإباء عن امتثال أوامرهم، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فاتى قومه ولا حس عندهم من نبوة ولا علم لهم بها، ولم يكونوا تحت ذل أحد، بل كانوا ملوك العرب، فعندهم أنه جاء يسلبهم عزهم ويصيرهم له تبعًا فخالفوا اشد المخالفة ولم يدعوا كيدًا حتى باشروه في رده عما جاء به، ومع ذلك فنصره الله عليهم ولم يزل يؤيده حتى دخل الناس هم وغيرهم في دين الله افواجًا، واظهر دينه على الدين كله كماوعده سبحانه، ثم أيد أمره من بعده ولم يزل اتباعه ظاهرين ولا يزالون إلى يوم الدين، فبين القصتين فرقان لأولى الإبصار والإيقان، وأما مناسبة أولها لآخر تلك فقد تبين أن آخر الأعراف آخر قصة موسى عليه السلام المختتمة بقصة بلعام وأن ما بعد ذلك إنما هو تتمات لما تقدم لابد منها وتتمات للتتمات حتى كان آخر ذلك مدح من أهلهم لعنديته سبحانه بالإذعان وتمام الخضوع، فلما أضيفوا إلى تلك الحضرة العالية، اقتضى ذلك سؤالًا عن حال الذين عند المخاطب صلى الله عليه وسلم فأجيب بقوله تعالى: {يسألونك} أي الذين عند ربك هم الذين هزموا الكفار في الحقيقة كما علمتم ذلك- وسيأتي بيانه، فهم المستحقون للأنفال وليس لهم إليها التفات وإنما همهم العبادة، والذين عندك إنما جعلتهم آلة ظاهرة ومع ذلك فهم يسألون {عن الأنفال} التي توليتهم إياها بأيدي جنودي سؤال منازعة ينبغي الاستعاذة بالله منها- كما نبه عليه آخر الأعراف- لأن ذلك يفضي إلى افتراق الكلمة والضعف عن مقاومة الأعداد، وهو جمع نفل- بالتحريك، وهو ما يعطاه الغازي زيادة على سهمه، والمراد بها هنا الغنيمة، وهي المال المأخوذ من أهل الحرب قهرًا، سميت هنا بذلك لأن أصلها في اللغة الزيادة، وقد فضل المسلمون بها على سائر الأمم.
ولما كان السؤال عن حكمها، كان كأنه قيل: فماذا يفعل؟ فقال دالًا على أنهم سألوا عن مصرفها وحكمها- ليطابق الجواب السؤال: {قل} أي لهم في جواب سؤالهم: {الأنفال لله} أي الذي ليس النصر إلا من عنده لما له من صفات الكمال {والرسول} أي الذي كان جازمًا بأمر الله مسلمًا لقضائه ماضيًا فيما أرسله به غير متخوف من مخالطة الردى بمواقعة العدى؛ قال أبو حيان: ولا خلاف أن الآية نزلت في يوم بدر وغنائمه، وقال ابن زيد: لا نسخ، إنما أخبر أن الغنائم لله من حيث إنها ملكه ورزقه، وللرسول عليه السلام من حيث هو مبين لحكم الله والصادع فيها بأمره ليقع التسليم من الناس، وحكم القسمة نازل خلال ذلك- انتهى.
ولما أخبر سبحانه أنه لا شيء لهم فيها إلا عن أمر الله ورسوله، وكان ذلك موحبًا لتوقفهم إلى بروز أمره سبحانه على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت التقوى موجبة للوقوف خوفًا حتى يأتي الدليل الذي يجسّر على المشي وراءه، سبب عن ذلك قوله: {فاتقوا الله} أي خافوا خوفًا عظيمًا في جميع أحوالكم من الذي لا عظمة لغيره ولا أمر لسواه، فلا تطلبوا شيئًا بغير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتخاصموا، فإن الله تعالى الذي رحمكم بإرسال رسول لنجاتكم وإنزال كتاب لعصمتكم غير مهمل ما يصلحكم، فهو يعطيكم ما سبق في علمه الحكم بأنه لكم، ويمنعكم ما ليس لكم {وأصلحوا ذات بينكم} أي الحال التي هي صاحبة افتراقكم واجتماعكم، فإن أغلب أمرها البين الذي هو القطيعة، وقد أشرفت على الفساد بطلب كل فريق الأثرة على صاحبه فأقبلوا على رعايتها بالتسليم لأمر الله ورسوله الأمرين بالإعراض عن الدنيا ليقسمها بينكم على سواء، القوي والضعيف سواء، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، لتجتمع كلمتكم فيشتد أمركم ويقوى أزركم فتقدروا على إقامة الدين وقمع المفسدين {وأطيعوا الله} أي الذي له جميع العظمة {ورسوله} أي الذي عظمته من عظمته في كل ما يأمرانكم به من تنفيل لمن يراه وإنفاذ شرط ووفاء عهد لمن عاهده.
ولما أمر ونهى هيج وألهب فقال مبينًا كون الإيمان مستلزمًا للطاعة: {إن كنتم مؤمنين} أي صادقين في دعوى الإيمان، فليس كل من يدعي شيئًا يكون صادقًا في دعواه حتى يحصل البيان بالامتحان، ولذلك وصل به قوله مؤكدًا غاية التأكيد لأن التخلص من الأعراض الدنيوية عسر: {إنما المؤمنون}. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{مردفين} فتح الدال: أبو جعفر ونافع وسهل ويعقوب وابن مجاهد وأبو عون عن قنبل. الباقون: بالكسر.

.الوقوف:

{عن الأنفال} ط {والرسول} ج لعطف المختلفين مع الفاء {ذات بينكم} ص {مؤمنين} o {يتوكلون} o ج لاحتمال جعل {الذين} مبتدأ والوصل أولى فيكون الوقف على {ينفقون} ويكون الثناء بحقيقة الإيمان منصرفًا إلى قوله: {هم المؤمنون} {حقًا} ط {كريم} o ج لما يجيء في التفسير {بالحق} ص لطول الكلام {لكارهون} o {لا ينظرون} o {الكافرين} o {المجرمون} o ج لاحتمال كون {إذ} متعلقًا بمحذوف وهو اذكر أو بقوله: {ويحق} {مردفين} o {قلوبكم} ج لابتداء النفي مع احتمال الحال {عند الله} ط {حكيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنفال} يقتضي البحث عن خمسة أشياء، السائل والمسئول وحقيقة النفل، وكون ذلك السؤال عن أي الأحكام كان، وإن المفسرين بأي شيء فسروا الأنفال.
أما البحث الأول: فهو أن السائلين من كانوا؟ فنقول إن قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال} إخبار عمن لم يسبق ذكرهم وحسن ذلك ههنا، لأن حالة النزول كان السائل عن هذا السؤال معلومًا معينًا فانصرف هذا اللفظ إليهم، ولا شك أنهم كانوا أقوامًا لهم تعلق بالغنائم والأنفال وهم أقوام من الصحابة.
وأما البحث الثاني: وهو أن المسئول من كان؟ فلا شك أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما البحث الثالث: وهو أن الأنفال ما هي فنقول: قال الزهري: النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل، وسميت الغنائم أنفالًا، لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، وصلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض الذي هو الأصل.
وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] أي زيادة على ما سأل.
وأما البحث الرابع: وهو أن السؤال عن أي أحكام الأنفال كان؟ فنقول: فيه وجهان: الأول: لفظ السؤال، وإن كان مبهمًا إلا أن تعيين الجواب يدل على أن السؤال كان واقعًا عن ذلك المعين، ونظيره قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المحيض} [البقرة: 222] {فِى الدنيا والاخرة} [البقرة: 220] فعلم منه أنه سؤال عن حكم من أحكام المحيض واليتامى، وذلك الحكم غير معين، إلا أن الجواب كان معينًا لأنه تعالى قال في المحيض: {قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النساء فِي المحيض} [البقرة: 222] فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان سؤالًا عن مخالطة النساء في المحيض.
وقال في اليتامى: {قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم} [البقرة: 220] فدل هذا الجواب المعين على أن ذلك السؤال المعين كان واقعًا عن التصرف في مالهم ومخالطتهم في المواكلة.
وأيضًا قال تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح} [الإسراء: 85] وليس فيه ما يدل على أن ذلك السؤال عن أي الأحكام إلا أنه تعالى قال في الجواب: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان عن كون الروح محدثًا أو قديمًا، فكذا هاهنا لما قال في جواب السؤال عن الأنفال: {قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول} دل هذا على أنهم سألوه عن الأنفال كيف مصرفها ومن المستحق لها.
والقول الثاني: أن قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال} أي من الأنفال، والمراد من هذا السؤال: الاستعطاء على ما روي في الخبر، أنهم كانوا يقولون يا رسول الله أعطني كذا أعطني كذا، ولا يبعد إقامة عن مقام من هذا قول عكرمة.
وقرأ عبد الله: {يَسْأَلُونَكَ الانفال}.
والبحث الخامس: وهو شرح أقوال المفسرين في المراد بالأنفال.
فنقول: إن الأنفال التي سألوا عنها يقتضي أن يكون قد وقع بينهم التنازع والتنافس فيها، ويدل عليه وجوه: الأول: أن قوله: {قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول} يدل على أن المقصود من ذكر منع القوم عن المخاصمة والمنازعة.
وثانيها: قوله: {فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} يدل على أنهم إنما سألوا عن ذلك بعد أن وقعت الخصومة بينهم.
وثالثها: أن قوله: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يدل على ذلك.
إذا عرفت هذا فنقول: يحتمل أن يكون المراد من هذه الأنفال الغنائم، وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهرًا؛ ويحتمل أن يكون المراد غيرها.
أما الأول: ففيه وجوه: أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم قسم ما غنموه يوم بدر على من حضر وعلى أقوام لم يحضروا أيضًا، وهم ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الأنصار، فأما المهاجرون فأحدهم عثمان فإنه عليه السلام تركه على ابنته لأنها كانت مريضة، وطلحة وسعيد بن زيد.
فإنه عليه السلام كان قد بعثهما للتجسس عن خبر العير وخرجا في طريق الشام، وأما الخمسة من الأنصار، فأحدهم أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، وعاصم خلفه على العالية، والحرث بن حاطب: رده من الروحاء إلى عمرو بن عوف لشيء بلغه عنه، والحرث بن الصمة أصابته علة بالروحاء، وخوات بن جبير، فهؤلاء لم يحضروا، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في تلك الغنائم بسهم، فوقه من غيرهم فيه منازعة.
فنزلت هذه الآية بسببها، وثانيها: روى أن يوم بدر الشبان قتلوا وأسروا والأشياخ وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصاف، فقال الشبان: الغنائم لنا لأنا قتلنا وهزمنا، وقال الأشياخ: كنا ردأ لكم ولو انهزمتهم لانحزتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا، فوقعت المخاصمة بهذا السبب، فنزلت الآية.
وثالثها: قال الزجاج: الأنفال الغنائم.
وإنما سألوا عنها لأنها كانت حرامًا على من كان قبلهم، وهذا الوجه ضعيف لأن على هذا التقدير يكون المقصود من هذا السؤال طلب حكم الله تعالى فقط، وقد بينا بالدليل أن هذا السؤال كان مسبوقًا بالمنازعة والمخاصمة.
وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون المراد من الأنفال شيئًا سوى الغنائم، فعلى هذا التقدير في تفسير الأنفال أيضًا وجوه: أحدها: قال ابن عباس في بعض الروايات: المراد من الأنفال ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال، من دابة أو عبد أو متاع، فهو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء، وثانيها: الأنفال الخمس الذي يجعله الله لأهل الخمس، وهو قول مجاهد، قال: فالقوم إنما سألوا عن الخمس.
فنزلت الآية، وثالثها: أن الأنفال هي السلب وهو الذي يدفع إلى الغازي زائدًا على سهمه من الغنم، ترغيبًا له في القتال، كما إذا قال الإمام: «من قتل قتيلًا فله سلبه» أو قال لسرية ما أصبتم فهو لكم، أو يقول فلكم نصفه أو ثلثه أو ربعه، ولا يخمس النفل، وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعد بن العاصي وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت إن الله تعالى قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف.
فقال: «ليس هذا لي ولا لك أطرحه في الموضع الذي وضعت فيه الغنائم» فطرحته وبي ما يعلمه الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلًا حتى جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزلت سورة الأنفال فقال: «يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي فخذه» قال القاضي: وكل هذه الوجوه تحتمله الآية، وليس فيها دليل على ترجيح بعضها على بعض.
وإن صح في الأخبار ما يدل على التعين قضى به، وإلا فالكل محتمل، وكما أن كل واحد منها جائز، فكذلك إرادة الجميع جائزة فإنه لا تناقض بينها، والأقرب أن يكون المراد بذلك ماله عليه السلام أن ينفل غيره من جملة الغنيمة قبل حصولها وبعد حصولها، لأنه يسوغ له تحريضًا على الجهاد وتقوية للنفوس كنحو ما كان ينفل واحدًا في ابتداء المحاربة.